أحلامٌ تضيء زوايا الأربطة..
" الحاجَّة فاطمة " عجوز سبعينية تحلم بكتابة سيرة حياتها..
فاطمة , أو "الحاجَّة فاطمة" كما تحب أن يناديها
من في الرباط , سيدةُ عجوز دفعها الفقر و الحاجة إلى السكنِ في أحد الأربطةِ في
جدة , مسنةُ عجنتها الأقدارُ بقسوتها , و
دارت بها ذات اليمين و ذات الشمال إلا أنها تجاوبت معنا ببراءة طفل و حكمة شيخ ,.
متسلحةً بالكثيرِ من الأمل , و ابتسامتها الراضية لا تفارقهُ وجهها حتى آخر لحظاتِ
لقائنا بها.
أسرار " الحاجة فاطمة "
تؤمن " الحاجَّة فاطمة " كما تحب أن يطلق
عليها من في الرباط ، بالقضاء و القدر و بالرغم من تجاعيد السنين التي حُفِرَت على
وجهها إلا أن ملامحه بها بقية من شموخ وكبرياء و أنفة ما تزال تفتخر بها كثيرًا
إلى الآن ، السيدة العجوز باحت بكثير من الأسرار و الأحاديث في حياتها الشخصية لكن
أغرب ما تحدثت به عزمها على كتابة مذكرات حياتها بل أنها رسمت ملامح عنوانه و محتوياته
و هي في حاجة فقط إلى من يقوم بمساعدتها.
تقول فاطمة التي بلغت السبعين قبل شهر و نيّف "
أفتقد للحياة السعيدة و الحميمة منذ عقود من الزمن ، نعم أسكن مع جاراتي في هذا
الرباط الخيري و يمر علينا وقت نحتاج به إلى الكساء و الطعام الذي يقدمه بلا تقصير
فاعلي خير ابتغاء الأجر من الله سبحانه و تعالى " ، فاطمة تقول كذلك أن
معيشتها تتراوح بين زيارة صديقاتها و قراءة القرآن و بعض الكتب و الأدعية الدينية
التي تجدها أحيانًا مع المشرفات في الرباط أو إحدى صديقاتها التي تجلبها أحيانًا لقرائتها
.
و تواصل فاطمة حديثها عن الرباط تحديدًا " أسكن
هنا في المنطقة التاريخية و رغم سؤء حالة الرباط و تهالك غرفهَ و مبانيه لكني كالجميع
هنا أسكن فيه لقضاء ما بقي لي من عمر" .
طريقُ طويلة و لا رفيق للدرب.
"مع
بداية هذا الصيف بلغت الـ 70 عامًا و أنا إلى اليوم لم يسبق لي الزواج" هكذا
تختصر فاطمة حديثها و تضيف : أتيت من حضرموت قبل أربعين عامًا و وصلت إلى جدة
بحثًا عن الحياة الكريمة لأنني كنت أفتقدها في اليمن و تنقّلت كعاملة منزلية في
أكثر من بيت و استقبلتني في فترة سابقة جمعية خيرية كنت أعيشُ من خلال ما تقدمه لي
.
حضوري إلى هُنا
كان على فترتين الأولى لمدة خمس سنوات قبل أن أعود إلى وطني , ثم حضرتُ مرة أخرى
إلى مهبط الوحي بعدها بثلاثة أعوام حين توفت والدتي و شقيقتي إثر مرض ألمّ بهما في
بلادي ". و استطردَتْ : "في إحدى المرات أصبت بعد سقوطي على إحدى
السلالم بإعاقة صعّبت من مقدرتي على الحركة و أنا أعيش حاليًا منذ أكثر من 20
عامًا في هذا الرباط ، و تشير فاطمة إلى أن الساكنات في هذا الرباط يعانين من
أمراض مزمنة عديدة و هنّ في حاجة إلى متابعة مستمرة و عناية صحية قد لا تتوفر في
أي وقت".
كتابة مذكرات الحياة حلم يراودني !
يستغرب المرء حين يسمع بأن عجوزًا يكادُ يقتلها الفقر
طوال حياتها بكونها تفكرُ في كتابة مذكراتها إذ كيف لها القدرة على الكتابة في مثل
هذا الوضع ، لكنّ الحاجَّة فاطمة تقول في هذا الصدد : "أسمع بكثيرين يكتبون
مذكراتهم و أرغب أن أكون كذلك خاصة و أنني أعرف الكتابة لكني بالطبع لا أمتلكُ
الأسلوب الجيد , و إنما حضرتني هذه الفكرة حينما قرأتُ سيرةَ أحدهم في كتاب "
، و تشير عميدة الرباط بحكم كبر سنها إلى أنها قامت بمناسك الحج والعمرة مرة واحدة
فقط وكان ذلك قبل ثلاثين عامًا .
و تقول كذلك بأنها لم تستطع الزواج لأنها ببساطة لم تجد
ابن الحلال بالرغم من مرور سنين كثيرة و هي مؤمنة دائما بأن الزواج قسمة و نصيب
على الرغم من كل شيء ، و قالت بأنها ترغب فقط في أن تعيش بقية عمرها بسلام و أن لا
يزورها المرض باعتبارها لا تعاني من مشاكل كبيرة سوى بعض الآلام في أقدامها و
مفاصلها من وقت لآخر .
سحر رجب
سحر رجب ( أخصائية نفسية) : فاطمة أنموذج للصبر والكفاح !
تعتقد الدكتورة سحر رجب مدربة و مستشارة معتمدة من
المجلس العربي و عضو هيئة الأمم المتخدة أخصائية في المجال و السلوك النفسي بأن فاطمة
تعد نموذج للصبر و الكفاح فهي بالرغم من الفقر المدقع الذي عاشت به إلا أنها لا
تزال تتمتع بإيمان كبير بقضائها , صابرة و محتسبة حتى مع ظروف الحياة التي مرت
عليها في شبابها وإلى هذا الوقت ، و تمنت رجب أن يجد الأشخاص في الأربطة الرعاية
النفسية اللازم , و أن يراعي المسئولون في
الأربطة ذلك إذ أن هناك الكثير من الحالات التي تحتاج للرعاية النفسية و الاهتمام
, و إلى إيضاح عدد من الأمور النفسية لهم حتى يتمتعون بما بقي لهم من أيام بمعنويات
مرتفعة خاصة من يكون لديهم أمراض مزمنة تطيح بهم و تجعلهم في حالة انطواء وعزلة
دائمة قد تزيد من حالاتهِم سوءً و تعقيداً.
مشرف في الأربطة : كبار السن في حاجة
إلى خدماتنا .
مشرف المَبَرَة في أحد أكبر الأربطة الخيرية بجدة ( رفض ذكر اسمه )
قال بأن السياسة العامة لهم في الأربطة تقدم و توفر السكن بشكل مجاني و أضاف بأن
الرباط لديهم يضم 257 شقة سكنية تمتلئ بشكل كامل بالسكان و هو يعد أكبر رباط في
جدة و تم إنشاءه عام 1400هـ ، مشيرًا إلى أن نسبة السعوديين لديهم في الرباط تشكّل
37% ، و تابع بأن الخدمات التي تقدم في الرباط تتوزع إلى عدة جوانب : الرعاية
الطبيعة , و التي تتضمن صرف أدوية للمحتاجين لها , بالإضافة إلى نقلهم للمستشفيات ,
إذ أن هناك مجمع طبي بجوار الرباط يخدم سكانه بأجور رمزية .
و ذكر المصدر بأن الجانب الغذائي يتوفر لسكان الرباط الخيري في سلال
غذائية تزودهم بالمواد الأساسية التي يحتاجونها , و كذلك دعمهم للسكان بكوبونات
غذاء و مبالغ مالية ، أما فيما يتعلق بالناحية الإنسانية فيشارك الرباط سكانه في
أفراحهم و أتراحهم ما أمكنه ذلك ، و من الناحية الاجتماعية يتم عقد شراكات مع بعض
المؤسسات لخدمة الساكنين و التعاون أيضًا مع بعض الجمعيات الخيرية وأهل الخير ، و تشمل
الخدمات الاجتماعية لسكان الرباط تسديد الرسوم الدراسية لبعض الطلاب في الجامعات
وكذلك تجديد الإقامة لغير السعوديين .
وشرح مشرف الأربطة بأن هناك برامج أخرى تقدم لساكني الرباط و هي
اختيارية منها البرامج الثقافية و التي تعنى بالجانب الديني و السلوكي , إذ يتم
توزيع عدد من الكتيبات لكي يستفيدون منها . و هناك الجانب التدريبي إذ يوفر الرباط
لساكنيه ميزة الالتحاق لعدد من الدورات التدريبية في بعض من المراكز. ، و لفت إلى
أن الرباط يخطط مستقبلاً في للتعاون مع دار للحافظات لتعليم الكبيرات في السن
القرآن و الحديث النبوي .
الدكتور حسان بصفر
بصفر : الإعلام يتحمل مسؤولية في طرح القضايا
الاجتماعية
من جهته أوضح الدكتور حسان بصفر أستاذ الإعلام و الاتصال في جامعة
الملك عبد العزيز بأن الإعلام شريك في المسؤولية الاجتماعية و يجب أن يقوم بدوره
في خدمة قضايا المجتمع و خاصة تلك الغير مطروحة و التي لا يتناولها الإعلام , لأن من دور الإعلام نقل قضايا الناس و الحديث
عنها بكل صراحة حتى نستطيع الوصول إلى حلول ملائمة ، و أشار بصفر إلى أهمية أن
تقوم مؤسسات التنشئة الاجتماعية بدورها منذ البداية حتى يكون المجتمع على دراية
بكل ما يحدث بداخله ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق